الركــــــــن المعنـــــــوي للجــــــــريمـــــــــة


الركن المعنوي في الجريمة العمدية

المطلب الأول : تعريف القصد الجنائي
قد حاول الفقه القيام بهذه المهمة فقيل بتعريفات عديدة لا تختلف في مضمونها إذ تدور حول نقطتين
 الأولى: وجوب أن تتوجه الإرادة إلى إرتكاب الجريمة 
و الثانية : ضرورة أن يكون الفاعل على علم بأركانها فإذا تحقق هذان العنصران معا ( العلم و الإرادة ) قام القصد الجنائي و بانتفائهما أو إنتفاء أحدهما ينتفي القصد الجنائي, و بناءا عليه نستطيع تعريف القصد الجنائي بأنه العلم بعناصر الجريمة و إرادة إرتكابها. وكما عرفه أيضا الدكتور فتوح عبد الله الشاذلي ب( القصد علم بعناصر الجريمة كما هي محددة في نموذجها القانوني و إرادة متجهة إلى تحقيق هذه العناصر أو قبولها).

 المطلب الثاني : عناصر القصد الجنائي :
أولا : العـــــلـم :  هو حالة ذهنية أو قدر من الوعي يسبق تحقق الإرادة و يعمل على إدراك الأمور على نحو صحيح مطابق للواقع . و العلم بهذا المعنى يرسم للإرادة إتجاهها و يعين حدودها في تحقيق الواقعة الإجرامية و لذلك يجب توافر العلم بعناصر الواقعة الإجرامية.
و عناصر الواقعة الإجرامية التي يلزم العلم بها لقيام القصد الجنائي هي كل ما يتطلبه المشرع لإعطاء الواقعة وصفها القانوني و تمييزها عن غيرها من الوقائع المشروعة و إلى جانب الإرادة يتعين أن يحيط الجاني علما بجميع العناصر القانونية للجريمة أي بأركان الجريمة كما حددها نص التجريم فإذا إنتفى العلم بأحد هذه العناصر بسبب الجهل أو الغلط إنتفى القصد بدوره.
 العلم بالوقائع : الأصل أن يحيط علم الجاني بكل الوقائع التي يتطلبها القانون لقيام الجريمة فلا يقتصر الأمر على العناصر السابقة على السلوك و إنما يعتمد ليشمل العناصر اللاحقة و المعاصرة للفعل طالما كانت ضرورية للتكوين القانوني للواقعة.
الوقائع التي يجب العلم بها :الوقائع التي تدخل في تكوين الجريمة و التي يتطلب المشرع أن يحيط علم الجاني بها هي :
1- موضوع الحق المعتدى عليه :
2-  العلم بخطورة الفعل على المصلحة المحمية قانونا :
3-  العلم بمكان و زمان إرتكاب الفعل :
4-  العلم ببعض الصفات في الجاني أو المجني عليه
 الوقائع التي لا يؤثر الجهل بها في القصد الجنائي
ثانيا : الإرادة : قوة نفسية تتحكم في سلوك الإنسان فهي نشاط نفسي يصدر من وعي و إدراك بهدف بلوغ غرض معين , فإذا توجهت هذه الإرادة إلى المدركة و المميزة عن علم لتحقيق الواقعة الإجرامية بسيطرتها على السلوك المادي للجريمة و توجيهه نحو تحقيق النتيجة قام القصد الجنائي في الجرائم المادية ذات النتيجة , في حين يكون توافر الإرادة كافيا لقيام القصد إذا ما اتجهت لتحقيق السلوك في جرائم السلوك المحض.
و للإرادة أهمية قصوى في نطاق القانون الجنائي , فالقانون يغني الأعمال الإرادية فإذا تجرد فعل الإنسان من الإرادة فلا يعتدّ به ولو أصاب المجتمع بأفدح الخسائر.
 نطاق الإرادة في مجال القصد الجنائي : تؤلف الإرادة العنصر الأساسي في القصد الجنائي و في الركن المعنوي على وجه العموم , فما مدى سيطرتها على ماديات الجريمة ؟
إن توجه الإرادة لتحقيق الجريمة يبدو واضحا بالنسبة للجرائم الشكلية التي تقوم بمجرد السلوك المحض , ففي توجه الإرادة لتحقيق السلوك ما يكفي للقول بأنها تسيطر على كل ماديات الجريمة الشكلية , أما بالنسبة للجرائم المادية فإن الأمر موضع خلاف , فالإرادة تسيطر على السلوك و لكن ما علاقتها بالنتيجة ؟
إنقسم الفقه بهذا الشأن إلى رأيين , الأول يرى ضرورة أن تكون الرابطة بين الإرادة و النتيجة رابطة قوية بحيث تتجه إرادة الفاعل إليها و ترغب في تحقيقها و بالتالي تسيطر عليها كما تسيطر على ماديات السلوك و قد سمي هذا الإتجاه في الفقه بـ ( نظرية الإرادة ) و الرأي الثاني يرى أن الرابطة بين الإرادة و النتيجة رابطة ضعيفة إذ يكتفي بنوع العلاقة تقوم بمجرد العلم أو التصور أو التوقع فيما يطلق عليه الفقه ( نظرية العلم )

الركن المعنوى للجريمة


المطلب الثالث : صور القصد الجنائي 
 أولا * القصد العام و القصد الخاص :
- القصد الجنائي العـام
يهدف الجاني عند إرتكابه الواقعة الإجرامية مع العلم بعناصرها إلى تحقيق غرض معين , بتحقيقه قد تتم الجريمة و يتوافر لها القصد الجنائي العام , ففي جريمة القتل يكون غرض الجاني إزهاق روح المجني عليه , و في جريمة السرقة يكون غرض الجاني حيازة المال المسروق , و عليه فالقصد العام أمر ضروري و مطلوب في كل الجرائم العمدية .
و ينحصر القصد العام في حدود تحقيق الغرض من الجريمة فلا يمتد لما بعده , و آية ذلك هو أن يكتفي القانون بربط القصد الجنائي بالغرض الذي يسعى له الجاني بغضّ النظر عن الغاية أو الباعث الذي يحركه أو يبتغيه , و على ذلك يعد تحقيق الغرض أو محاولة تحقيقه هو الأمر الضروري لقيام القصد الجنائي العام بوصفه الهدف الفوري و المباشر للسلوك الإجرامي.
-
القصد الجنائي الخاص :
قد يتطلب القانون في بعض الجرائم أن يتوافر لدى الجاني إرادة تحقيق غاية معينة من الجريمة , فلا يكتفي بمجرد تحقق غرض الجاني كما في القصد الجنائي العام , بل يذهب إلى أكثر من ذلك فيتغلغل إلى نوايا الجاني و يعتدّ بالغاية التي دفعته إلى إرتكاب الجريمة .و الغاية هي الهدف الذي يبتغيه الجاني من تحقيق غرضه المباشر في إرتكاب الجريمة , و إذا كان الغرض لا يختلف في الجريمة الواحدة بين جان و وجان آخـر , فإن الغاية تختلف , فقد يكون القتل لغاية التخلص من منافس , أو للحصول على أمواله أو لأمور أخرى , و تختلف الغاية عن الباعث أو الدافع لإرتكاب الجريمة أيضا , فالباعث هو الدافع النفسي لتحقيق سلوك معين بالنظر إلى غاية محددة , فمثلا في جريمة القتل يكون الغرض إزهاق روح المجني عليه , وقد تكون الغاية تخليص المريض من آلامه و الباعث هو الشفقة , فيقال عندئذ : القتل بدافع الشفقة , و قد يكون الباعث ( الدافع ) هو الإنتقام.
و لا يعتد القانون بالباعث إلاّ إذا نص عليه المشرّع صراحة و هو أمر نادر , لأنه يخرج عن دائرة الركن المعنوي للجريمة.
و لا يختلف القصد الخاص عن القصد العام من حيث العناصر التي تكوّن كلا منها , فطبيعتهما واحدة تقوم على توافر ذات العناصر أي عنصري : العلم و الإرادة , لكن موضوع العلم و الإرادة في القصد الخاص أكثر تحديدا و كثافة منه في القصد العام.
*
ثانيا* القصد المحدد و القصد غير المحدد :
- القصد المحدد :هو القصد الذي تتجه فيه الإرادة إلى تحقيق النتيجة الإجرامية في موضوع محدد كما إذا أطلق الجاني النار على شخص أو أشخاص معنيين بقصد قتلهم فالقصد لديه محدد
-القصد غير المحدد :هو القصد الذي تنصرف فيه إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة دون تحديد لموضوعها , وقد أراد كل ما سينجم عنها بغض النظر عمّا ستسفر عنه , عُدَّّ قصده غير محـدود , فمن تتجه إرادته إلى تفجير قنبلة في مكان عام دون أن يكون لديه تصور محدد لأي عدد من الناس سيقتل , فإن قصده يكون غير محدد.
*ثالثا* القصد المباشر و القصد غير المباشر :
- القصد المباشـر :يكون القصد مباشرا عندما تتوجه إرادة الفاعل لإرتكاب الواقعة الإجــرامية التي أرادها بكل عناصرها , بحيث لا يراوده شك بضرورة حدوث النتيجة التي أراد تحقيقها فمن يطلق النار على خصمه بهدف قتله يتوقع نتيجة محددة بعينها و هي إزهاق روح المجني عليه و لذا فإن قصده هنا يعد قصدًا مباشرًا
- القصد غير المباشر :إذا باشر الجاني سلوكه المؤدي للنتيجة متوقعًا أن النتيجة ممكنة الوقوع لا أكـيدة الوقوع , فخاطر و مضى في سلوكه فإن قصده هنا يعدّ قصدا غير مباشـر أو إحتمالي.
و القصد المباشر هو الأصل في القصد الجـنائي على مختلف صوره العام و الخاص , المحدود و غير المحـدود , أما القصد الإحتمالي فهو نوع آخـر تختلف فيه الآراء.

تعليقات